تعارض المفاسد: دراسة تأصيلية تطبيقية

الملخص

القواعد الفقهية أحد الروافد المهمة في البحث الفقهي المعاصر، حيث يمكن استثمارها في إنتاج الأحكام الفقهية للنوازل والمستجدات، من خلال إلحاق الجزئيات بالكليات المندرجة تحتها، ولكن من ضمن الإشكاليات التي تواجه الباحث في هذا المسلك هي تنازع القواعد للفرع الفقهي الواحد، فيحتاج إلى أدوات عالية لفك هذا الاشتباه، وذلك بمعرفة الأصل والاستثناء، ولا يتأتى ذلك إلا من كثرة المراس في تطبيق القواعد على الفروع، ومن ذلك قاعدة تزاحم المفاسد بحيث لا يمكن دفع جميعها، فالشريعة من حيث الأصل جاءت لدفع المفاسد وتقليلها، ولكن في حال التزاحم كما في الظروف التي فرضتها جائحة كورونا، فقد كان العلماء أمام أوضاع استثنائية، يوازنون بين مفاسد متزاحمة لدفع أعلاها بارتكاب أدناها، فكان لهذه القاعدة حضور كبير في الفتاوى المتعلقة بالجائحة، وقد كان من أظهر المسائل التي تندرج فيها هي مسألة إغلاق المساجد للحد من انتشار المرض، وقد تبين بعد الموازنة بين المفاسد أن إغلاق المساجد وتنظيم ارتيادها يأتي في سياق هذه القاعدة المهمة في التنزيل الفقهي المعاصر، وذلك بارتكاب مفسدة الإغلاق التي تتعلق بتكميلي لضروري الدين، لدفع مفسدة أعلى تتعلق بأصل ضروري النفس، وقد تم ذلك وفق تطبيق معايير العلماء للموازنة بين المفاسد حال التزاحم، وهي نموذج يمكن الاستفادة منها في الموازنات المتعلقة بالمسائل الأخرى التي أفرزتها الجائحة، فجل المسائل مخرجة على تلك القاعدة.