جهود الإمام النّوويّ في خدمة المذهب الشّافعيّ كتاب "الصّلاة" نموذجًا
##plugins.themes.bootstrap3.article.main##
الملخص
إنّ الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله.
فإنّ الله -سبحانه وتعالى- لم يترك عباده مهملين ينظّمون حياتهم بأنفسهم على مقتضى أفكارهم ونظريات عقولهم؛ لكونها قاصرة يحدوها الميول والأهواء والنّـزعات، بل شرع لهم نظامًا على أساسه تستقيم الأمّة الإسلاميّة، ويتحقق به العدل فيما بينها، وبه تنتظم جميع شؤون حياتها، (وعلم الفقه) هو الّذي أخذ على عاتقه ذلك، فهو المنهل الصّافيّ، والمعين الّذي حفظ للأمّة الإسلاميّة وجودها بين الأمم على اختلاف العصور، وفيه استخلصت أحكام القرآن والسُّنّة النّبويّة، وبه تحقّقت مقاصد الإسلام الكبرى.
ألا وإنّ من تمام نعمة الله على عباده، وعظيم فضله عليهم، أن أرسل إليهم رسولًا من أنفسهم، اصطفاه وانتقاه فجعله داعيًا إلى طاعته، وإلى إخلاص العبوديّة له، وأنزل عليه الشّريعة الغرّاء، وأوكل إليه أن يبيّن للنّاس بجوامع كلمه ما نزّل إليهم، فصلوات ربّي وسلامه عليه، ثمّ قيّض الله -تعالى- الصّحابة –رضي الله عنهم-؛ ليكونوا أمناء الشّريعة بعد نبيّهم، وأعلام الاقتداء، فحملوا سنّته، ومضوا على صراطه المستقيم، ثمّ تتابع العلماء عصرًا بعد عصر في حمل هذا الدّين، مقتفين في ذلك نهج نبيّهم وآله وصحبه، فكان لهم الفضل بعدهم بفضل الله في حفظه، وتسطيره في مؤلّفاتهم؛ ليستعين بها من أتى بعدهم، ويتروّض على فهم النّصوص، وطرق الاستنباط، فجزاهم الله عنّا خيرًا.
وكان من هؤلاء الأعلام المجتهدين الّذين أسهموا في خدمة كتاب الله وسنّة رسوله، ونشرت لهم رايات مجد تخفق في المشارق والمغارب، الإمام العلم: أبو زكريّا محي الدّين يحيى بن شرف النّوويّ، مهذّب المذهب الشّافعيّ ومحرّره، ومحقّقه ومنقّحه، ذو الاختيارات والتّرجيحات المبنيّة على الأدلّة الشّرعيّة، الّذين نهجوا في البحث والتّحقيق منهج الاستدلال.
ولمّا كان هذا الإمام متّفقًا على إمامته، وأنّه شيخ المذهب الشّافعيّ، ورأسٌ في معرفته، والمعتمد في معرفة المنصوص والمنقول عن الإمام الشّافعيّ، أحببت أن أظهر جهوده في خدمة المذهب الشّافعيّ من خلال كتبه الّتي نهج فيها منهج التّحقيق، والتّنقيح، والتّحرير، ككتاب: المجموع، والتّنقيح شرح الوسيط، والتّحقيق.
مشكلة البحث
المتأمّل لكتب الشّافعيّة المتقدّمة على الشّيخين: الرّافعيّ والنّوويّ - رحمهما الله – يجدها مليئة بالأقوال والأوجه والطّرق المنسوبة إلى الإمام الشّافعيّ –رحمه الله-، أو إلى المذهب الشّافعي[1]، لكن لا يعتدّ بشيء منها إلّا بعد البحث والتّدقيق والتّمحيص، حتّى يغلب على الظّنّ أنّه المعتمد في المذهب.
قال الإمام النّوويّ -رحمه الله-: "قد علم أهل الاطّلاع والعناية ما في هذه الكتب -كتب الشّافعيّة المتقدّمين والمتأخّرين- من اختلاف الآراء والاختيارات، وتعارض أقوالهم في التّرجيحات، بحيث لا يحصل لمتورّع الوثوق بأنّ مايراه فيها هو مذهب الشّافعيّ، حتّى يراه وله خبرة في المذهب في عدّة من المصنّفات المعتمدات، أو حتّى يطالع معظم كتب المذهب المشهورة"[2].