خصائص النزعة الجمالية في بلاغة ابن أبي الأصبع المصري من خلال كتابيه: "تحرير التحبير" و"بديع القرآن"

الملخص

في حوالي القرن السادس الهجري اتجهت البلاغة العربية إلى اتجاهين، أحدهما يخلط المسألة البلاغية بالقياس المنطقي العقلي، ويهتم بالتقنين والتقسيم والتجديد، ويقلل من الشواهد ومن النظر في النصوص، وما النصوص عند أصحاب هذا الاتجاه إلا أدلة على القاعدة المسلم بها.

والبحث عن المعنى وصحته من أبرز خصائص هذا الاتجاه؛ فأنصاره يتجهون إلى إيضاح المعنى وبيانه ثم تحسينه إن أمكن بالبديع، ولهذا كان تقسيم أحد رواد هذا الاتجاه وهو "أبو يعقوب السكاكي" (ت: 626 هـ)

للبلاغة، وعلم المعاني، وعلم البديع.

وقد أشار "ابن خلدون" (ت: 808 هـ) إلى هذا الاتجاه، موضحًا السبب الذى من أجله اتجه أصحابه إلى الاهتمام بعلمي المعاني والبيان فيما يهتم المغاربة -ويقصد بهم الشوام والمصريين- بعلم البديع، يقول: "بالجملة فالمشارقة هم على هذا الفن أقوم من المغاربة وسببه -والله أعلم- أنه كمالي في العلوم اللسانية والصنائع الكمالية توجد في العمران، والمشرق أوفى عمرانًا من المغرب، أو نقول: لعناية العجم -وهم معظم أهل المشرق- بتفسير الزمخشري، وهو كله مبني على هذا الفن".

ومن أعلام هذا الاتجاه "الزمخشري" (ت: 538هـ) ـ "والرازي" (ت: 606هـ) و"السكاكي"، ويشير "ابن خلدون" كذلك إلى الاتجاه الثاني الذي عُرِف في الشام ومصر؛ حيث اهتم أنصاره بالبديع خاصة "وجعلوه من جملة علوم الأدب الشعرية، وفرعوا له ألقابًا وعددوا أبوابًا ونوعوا أنواعًا...".

ويؤكد الدكتور "محمد عبد المطلب" على ذلك الفارق المهم بين الاتجاهين المشرقي والمغربي في البلاغة؛ فقد اتجه الدارسون المشرقيون إلى قضايا المنطق والفلسفة، وألبسوا مؤلفاتهم ثوبًا علميًّا منظمًا، دون إعطاء أهمية كبيرة للجانب المنطقي إلا في قليل، فأصبح الجمال -عندهم- جمالًا مقعدًا، والذوق تحكمًا عقليًّا؛ فالكلام يقاس بما فيه من موافقه للعقل والمنطق، لا بما فيه موافقة للإحساس والشعور.

أما في مصر والشام: فقد سيطر اتجاه آخر يعتمد الذوق الأدبي والحس الجمالي الذي يختلف في كثير من ملامحه عن اتجاه أولئك المشرقيين، ومن هنا غلب عليه طابع الاهتمام بالرواية، وحفظ المأثور العربي القديم: وترديده في الشعر أو في النثر، فقد غلب الجانب التطبيقي وانحسر الاهتمام  بالجانب  التنظيري"